تكملة اللنص :

هذا يقودنا إلى بداهة التعبير المفهومي لماهية الفن التشكيلي وكينونة باعتبار أن الذاكرة البصرية في سياقها التأليفي كلغة بصرية تواصلية تعبيرية سابقة للكلام (الشفاهي) وهي عالمية بالضرورة متجاوزة حدود المكان واللحظة الزمنية المعبرة عن ذاتها الوجودية والتأليفية وعن الأسلوب التقني والشكلاني والمحتوى الموضوعي في رصف المفردات الفنية التشكيلية والملونات والرموز وتحقيق الخصوصية في سياق شكلاني معاصر ومتفرد ومقروء ومفهوم من قبل فعاليات المجتمع الإنساني باختلاف طبقاته وأنسابه وثقافته ومدركاته المعرفية والبصرية والاجتماعية ،لتشكل هذه اللغة البصرية (الفنون التشكيلية) الحلقة التواصلية المفهومية ما بين الشعوب والثقافات في إطار فن عالمي يتساوق مع روح العصر ومتغيراته وديناميتة التفاعليه التطوريّة تقنيا وشكلانيا، وذاكرة معرفية (موضوعية) وتراكمات بصرية وخصوصية توليفية معبرة عن ذات فردية مبدعة ،لتشكل مجال بصري حيوي أشبه بقطع فسيفساء جمالية لرصف المعطى الحضاري في بنائية التكوينات كلوحة (بانورامية) كونية لذاكرة عالمية شمولية التفاعل الثقافي ما بين الشعوب والهويّات القومية التي لا تلغي الذات وتذوب في ثقافة الآخر وجودا وإبداعا بل توسع دائرة المعارف البصرية متجاوزة حدود المكان والزمان والأنماط الكيانية المؤسسية والحكومية، وألا تدخل بالوقت نفسه هذه المنتجات الفنية التشكيلية الإبداعية في مسالك الحقبة العولمية المدمرة للفعل الثقافي الإنساني وخصوصيات الأفراد والانتماء والهويّات، والتي تعمل باستمرار على تنميط الفن التشكيلي في قوالب سكونية جامدة كلغة بصرية محكومة بأشكال جبرية مكرسة لمفهوم أيديولوجي عدمي يفقد المدركات البصرية الجمالية وجودها وجوهرها وإقصاء للذات وخصوصية المكان والموروث الحضاري والسباحة في فلك الحقبة العولمية وميادين الفن السطحي الساذج والمبتذل والملغية للتعبير الداخلي والإحساس الإنساني لقيم الجمال والخير والمثاقفة ،وتعميم مساحة الشكلانية المجردة من العواطف والنزعات الإنسانية -الوجودية والأخلاقية والدخول في مجرة التوليف المصطنع للحقبة العولمية. أي (الأمركة) وتشكل البرامج الحاسوبية متنوعة الأسماء والمكونات كنظم شمولية مبنية على أساس الفلسفة الأمريكية النفعية في سياق مدخل النظم كاتجاه سلوكي جديد في التعامل البشري ملغية بطبيعة الحال التفاعل الإنساني الاجتماعي والإبداعي والأخلاقي كقيم إنسانية مباشرة لتكون عبر وسيط محض تقني وجعل الإنسان مجرد آلة (إجرائية) متساو الفاعلية مع الآلة (الحاسب) وليكون أحد مكونات (المدخلات) الضرورية في دينامية التواصل العملي مع هذه البرامج المعجونة بقيم صنعيه مغايرة للسلوك الإنساني الوجداني ولتطرح في نهاية المطاف (مخرجات) عدمية ممركزة لخدمة اقتصاد السوق والقيمة المضافة للتكنولوجيا المعاصرة ، والى مزيد من تهميش الفعل الإنساني الإبداعي . وسط هذه المقدمات التي قد تبدو في ظاهرها تشاؤمية ، لكن الحقيقة دائما واضحة وعارية ومؤلمة في استنطاق الوقائع ،وهذا ما يدفعنا لمشروعية المساءلة عربيا والاجتهاد التأويلي لمفهوم الذات والعلاقة مع الآخر من تفاعلات تبادلية وحالات اشتباك معرفي كما هي الحال في سياق عالمية الفن (العولمية) القائمة على علاقات تنابذ وتباعد وخوف على الذات والخصوصية والشعور بالهوية والارتداد والنكوص والعودة للموروث الحضاري والتاريخي (الأصالة) وأين نحن كعرب وعلى أية مفارق وأزمنة وأمكنة نقف، ويأتي في مقدمة هذه التساؤلات التي نراها ضرورية . هل نمتلك مقومات فن تشكيلي عربي معاصر؟ وهل يتمتع هذا الفن التشكيلي العربي بخصوصية تأليفية ومعبر عن ذاكرة المكان وجمالياته وأفكاره وقيمه الاجتماعية في أنساق بصرية كونية متآلفة مع مجموعة مكونات الدائرة المعرفية العالمية ولكل القارات الكونية؟ أم لدينا مجرد تجارب فردية إبداعية تدور في فلك المرجعيات الأوروبية عموما والغربية على وجه الخصوص في سياق الشكلية الاستنساخية لثقافة الغرب الأوروبي في مرحلة فن ما قبل الحداثة وأثناءها وما بعدها في إطار النزعة المركزية الأوروبية في الفكر والفن ؟ أم التحول النفعي إلى آليات التواصل مع المنتج الغربي الأوروبي والأمريكي المعولم كنزعة مركزية جديدة في الخارطة الكونية ضاربة بعرض الحائط بكل ما سبقها من تجارب إبداعية وثقافية وحضارية ، وابتكارها أساليب أدائية متناسبة والنفعية الأمريكية (الليبرالية) كما هو واقع الحال في بقية المجالات الحياتية المفصلية لشعوبنا ؟. الإجابة على هذه المساءلة يمكن اختصارها بعبارة واحدة(نعم) نحن كعرب ما زلنا نراوح في فلك النزعات المركزية الغربية الأوروبية والأمريكية ومشغوفين بفنون ما بعد الحداثة العولمية . وان حاول بعض الفنانين الإيهام الخداعي في استنساخ واستحضار الموروث التاريخي والحضاري والاستقواء بفنون (الأرابسك) والحروفية الساذجة كبديل ثقافي وذاكرة بصرية مواجهة للنزعات الغربية في أثواب (أصالة) فهذا السلوك التسطيحي لا يلغي الحقائق .ليس لدينا فن تشكيلي عربي معاصر متمتع بالخصوصية بالمعنى العلمي للكلمة . أي لا وجود لفن تشكيلي عربي له مرجعية بصرية ومفردات وملونات وخطوط ومكونات عابقة بالخصوصية، وإنما لدينا فن مكرور ينشر ثقافة وجماليات الآخر الغربي سواء في أنماط مناهجنا وبرامج معاهدنا وجامعاتنا وأساليب فنانينا . ما زلنا قابعين في جحور التجريبية وقلق الفوضى والبحث الخجول عن الذات وجماليات المكان وتمثل أسئلة الهويّة والانتماء والخوف من ثقافة الآخر والارتداد التأليفي لاستلهام مرجعيات أدبية والانغلاق على الذات، أو في سياق مشابهة تطابقية استنساخية مبتذلة للفنون التشكيلية العربية . ومزحومة أسواقنا الفنية التشكيلية المروجة لتجارة المنتج الفني التشكيلي العربي (بالغث) الكثير والجيد القليل في طقوس نفعية (كرنفالية) سواء في إطار المؤسسات الحكومية والنقابية ،أو في مجال تجارة العمل الفني واقتصاد السوق وترويج المنتج الفني كبضاعة (سلعية) شأنها في ذلك كبقية البضائع الاستهلاكية المعروضة في مساحة السوق المحلي العربي والدولي .وحال الفن التشكيلي العربي ليس بأفضل من بقية المعابر في السياسة والاقتصاد والثقافة والبحث العلمي والعلاقات، واكتساح العولمة وثورة الاتصالات (المعلوماتية) خصوصا . بحيث نجد المواقف العربية النخبوية والتخصصية تدور في فلك اجترار الكلام المكرور والقائم على تعظيم الذات (الفارغة) من أي محتوى موضوعي وقيمي ومعرفي والاتكاء على الماضي بما هو ماض منقرض. بحيث تقودنا هذه التهويمات الاجتهادية إلى عوالم القرون الوسطى والسباحة عكس التيار . وهذا الأمر هو مسؤولية جماعية تتحملها الحكومات والمؤسسات الأكاديمية والتربوية والنقابية والمنابر الإعلامية المقروءة والمرئية والمسموعة والفنانين والنقاد على وجه التحديد.